إيكونوميست: بناء دولة فاعلة في العراق يبدأ بهزيمة الميليشيات وخدمة المواطنين لا أصحاب المصالح
إيكونوميست: بناء دولة فاعلة في العراق يبدأ بهزيمة الميليشيات وخدمة المواطنين لا أصحاب المصالح
وكالة أنباء كل العرب : قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها إن هناك فرصة لكي يتحقق السلام في العراق ويبني دولة فاعلة مع أن ثمن الفشل سيكون الفوضى. وأضافت أن العراق مضى منذ الإطاحة بصدام حسين من حرب أهلية إلى أخرى. واليوم وهو يحضر للانتخابات في تشرين الأول/ أكتوبر يقول الكثير من العراقيين إنهم يشعرون بالتقزز من المشاركة في الانتخابات، وماذا سيغير التصويت، يقولون، فالحكومة التي سينتخبونها لن تستطيع الحكم والساسة عديمو الفائدة وفاسدون والبلد تسيطر عليه الميليشيات والفصائل ومشايخ القبائل والقوى الأجنبية.
ووسط كل هذه الإشارات القاتمة هناك سبب يدعو للأمل، وأحدها أن العراق بات أقل عنفا، فحتى عام 2014 كان ثلث أراضيه تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وبعد هزيمته في 2017 عاد مستوى من الهدوء سمح بعودة المصالح التجارية وللأطفال الذهاب إلى المدرسة بدون خوف من التفجيرات. وهناك فرصة لتعافي الاقتصاد في مرحلة ما بعد كوفيد-19 بشكل يسمح ببناء دولة فاعلة. لكن الخطوة الرئيسية في كل هذا هي هزيمة الميليشيات، وأنشئ عدد منها من أجل هزيمة تنظيم الدولة وبناء على فتوى المرجعية الدينية محمد علي السيستاني، لكن الفصائل المسلحة لم تضع أسلحتها بعد نهاية الحملة بل على العكس، أصبح لدى أفرادها مكان دائم في كشوفات الرواتب التي تقدمها الدولة لموظفيها.
زادت حصة الميليشيات من الميزانية من 1.3 تريليون دينار عراقي (1.1 مليار دولار) في 2018 إلى 3.5 تريليون دينار عراقي عام 2021
وزادت حصة الميليشيات من الميزانية من 1.3 تريليون دينار عراقي (1.1 مليار دولار) في 2018 إلى 3.5 تريليون دينار عراقي عام 2021. وينفق العراق اليوم نسبة 2% من الناتج المحلي العام على القوى المسلحة غير الرسمية، أي أكثر مما تنفقه معظم الدول على قواتها النظامية. وهذا لا يشمل الأموال التي تجنيها الميليشيات من التهريب والابتزاز، ولا أحد من أفرادها مواليا للدولة بل يأخذون الأوامر من إيران وأمراء الحرب الفاسدين.
وترى المجلة أن آية الله السيستاني الذي التزم بالصمت قام بالمساعدة وأخبر الميليشيات أن مهمتها انتهت. وأيا كان الحال، فيجب على الدولة استعادة السيطرة على الإقطاعيات الكثيرة التي أقامتها الميليشيات. وعليها أن تدمج عددا من المسلحين في الجيش العراقي وتحت تسلسل قيادي وحل الفصائل أو إحالة أفرادها على التقاعد. وأشارت المجلة إلى أن هذا سيكون مكلفا للغاية وخطيرا، فمن دعا لحل هذه الميليشيات قتل وصفي. ولكن البديل سيكون أسوأ. فهناك قادة في الميليشيات يحاولون تقليد مثال الحرس الثوري الإيراني، وهو القوة الفاسدة التي تسيطر على اقتصاد إيران وتتلقى أوامرها من المرشد الأعلى للجمهورية.
وجرى الحديث عن خطة لحل الميليشيات قبل أعوام، ويجب نفض الغبار عنها وتنفيذها. وهناك خطوة أخرى لبناء دولة مؤسسات في العراق من خلال تقديم الحكومة الخدمات للمواطنين وليس وظائف فقط في قطاع الخدمة المدنية. فالرواتب وأموال التقاعد للقطاع العام تأكل أحيانا أكثر مما يحصل عليه العراق من موارد نفطية. ولأن التوظيف يقوم على المحسوبية، ولا أحد في القطاع الخاص يدفع راتبا عاليا لعمل قليل، فمعظم العراقيين يريدون العمل في وظائف الحكومة. وهو ما يعقد من مهمة القطاع الخاص توفير عمال لمصالحه. كما أن الوظائف الحكومية تأكل الموارد التي تحتاجها المدارس والمستشفيات والمؤسسات الاجتماعية. ولدى وزارة المالية خطة لتخفيض أعداد العاملين في القطاع العام وشطب العمال الوهميين والاستثمار في ما ينفع العراق وأهله، ويجب تنفيذ الخطة.
وهناك طريق ثالث للتغيير وهو قيام الحكومة بإلغاء الدعم عن الطاقة والتي تأكل 10% من الناتج المحلي العام. ولأن الكهرباء رخيصة أو لا يدفع أحد فاتورتها فإن المستخدمين لها يبالغون في استخدامها. وحتى تولد الحكومة مزيدا من الطاقة الكهربائية، تقوم الحكومة باستيراد الغاز من إيران ولكنها تفشل في دفع ثمنه. ولا يحتاج العراق لهذا، فهو ينتج الكثير من الغاز الذي يتم إشعاله وتضييعه. ويجب على البلد أن يخزن الكثير منه وفرض معدلات على المستهلكين، مما قد يدفعهم للحفاظ على الطاقة والمال العام والبيئة. وحتى يحصل التغيير يجب على المقترعين التصويت، مع أن العملية قد تكون خطيرة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات.
ولكن عندما يقاطع العراقيون الانتخابات فإنهم يسمحون للجماعات المسلحة بتقوية سلطتها ويتركون الفصائل الفاسدة لكي توسع مصالحها. وقد يساعد في إحداث التغيير قيام المتظاهرين المعادين للفساد والذي أصدروا أصواتا عالية في عام 2019 بتنظيم أنفسهم والعمل على التغيير. وفي حالة عدم وجود هذا فيجب على الناخبين انتخاب أنظف المرشحين في مناطقهم. وبالتأكيد ستواجه الحكومة العراقية المقبلة الكثير من المعارضة للإصلاحات، لو حاولت. ويظل بناء الدولة عملية صعبة ويستغرق وقتا، ومن مصلحة البلد، فتجربة العراق الأخيرة مع الفوضى يجب أن تكون مثالا مذكرا بثمن الفشل.