المزارع الغزي أمام جرائم الاحتلال “يحمل روحه على كفه
المزارع الغزي أمام جرائم الاحتلال “يحمل روحه على كفه
وكالة أنباء كل العرب
نظرة وداع، يُلقيها المزارع عصام خضير على أهله، في كل مرة يذهب إلى أرضه الواقعة شمال قطاع غزة، خشية أن تطاله مدافع دبابات الاحتلال التي لا تتوانى عن استهداف المزارعين وترهيبهم وارتكاب جرائم في حقهم.
ولا يبالغ حين يقول إنه في كل مرة يتوقع الموت، إلا أن الله يلطف به و”يكتب له عمرًا جديدًا” بحسب تعبيره.
يقول خضير: “يمنةً أو يسرة، كلما تحركت يتحرك مدفع الدبابة معي، حدث ذلك قبل مدة عندما ذهبت لري المزروعات، وفوجئتُ حينها بتصويب دبابة إسرائيلية مدفعها باتجاه أرضي، تحركت بحذر حتى أتأكد من مدى الخطر، وصدقَ ظني، سابقتُ الريح وتركت الأرض مسرعًا ثم عدت مجددًا بعد ساعات، فأطلقت قوات الاحتلال النار بشكل كثيف نحوي، لقد كانت الرسالة واضحة..”.
وقبل خروجه من البيت كل يوم، يودع الرجل صغاره، داعيًا ربه أن يعيده إليهم سالمًا غانمًا، مستنكرًا ما يحدث بصيغة سؤال:” إلى متى يستمر هذا الوضع اللا إنساني الذي يتعرض له المزارعون”.
وتلجأ قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام القوة المفرطة والمميتة ضد المدنيين، بما في ذلك إطلاق النار واستهداف المزارعين بالقذائف والرصاص بشكل مباشر، إذ نفذت قوات الاحتلال خلال عام 2020 نحو 1150 عملية استهداف مباشر للمزارعين من خلال القصف أو إطلاق النار.
مسلسل التضييق مستمر
منذ عام ـ 2000 يفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي وحتى عامنا هذا، قيودًا على جميع سكان المناطق القريبة والمحاذية من السياج الفاصل.
وتعد المناطق العازلة والمعروفة بالمناطق مقيدة الوصول، مناطق عسكرية مغلقة، يُحظر على المواطنين الفلسطينيين الوصول إليها، ولا تتورع قوات الاحتلال عن استهداف المواطنين ومُقدَّراتهم بكل ما لديها من أسلحة وذخيرة وترسانة عسكرية.
تقول المهندسة الزراعية نجاح أبو ندى، لمراسل “آفاق البيئة والتنمية” إن الاحتلال يسعى بممارساته إلى قتل حب الأرض في نفوس المزارعين، محاولًا الإضرار بالبيئة الزراعية بأكبر قدر ممكن من السموم، كما يفعل بـ رش المبيدات السامة وإطلاق قنابل الغاز، ناهيك عن تجريف الأراضي الزراعية.
وشدَّدت أبو ندى على أن صمت المجتمع الدولي حيال الاعتداءات الإسرائيلية يشجع حكومة الاحتلال على الاستمرار في عدوانها وارتكاب الجرائم بصورة منهجية ومنظمة.
ودعت الجهات المعنية والمؤسسات الحقوقية إلى ضرورة اتخاذ خطوات فاعلة لوقف مسلسل الاعتداءات الإسرائيلية ضد الصيادين والمزارعين.
وقد كثّفت قوات الاحتلال خلال الفترة الزمنية (2020-2018) من جرائمها بحق المزارعين على النحو الآتي:
عمليات التجريف
نفذت قوات الاحتلال 206 عملية توغل وتجريف بحق أراضي المواطنين الزراعية، وتدمير محصولهم الزراعي، وتتمثل هذه الانتهاكات بتقدم الآليات والجرافات العسكرية الإسرائيلية اتجاه أراضي المواطنين، وتجريف وتسوية هذه الأراضي واقتلاع المحاصيل الزراعية، مما يسبب للمزارعين خسائر مادية كبيرة، تُهدد بضرب الاقتصاد الفلسطيني في مقتل. وتجدر الإشارة أن معظم المزارعين يستأجرون هذه الأراضي ولا يملكونها.
وبحسب مركز الميزان لحقوق الإنسان فإن إجمالي مساحة الأراضي الزراعية المتضررة من عمليات التجريف منذ عام الـ 2018 وحتى عام 2020 قد وصلت إلى 65 دونماً، في حين وصلت قيمة الأضرار المادية خلال هذه الفترة إلى 1,189,802 دولار أمريكي.
الفلاحات في دائرة الاستهداف
في قطاع غزة تعد المزارعات جزءًا أساسيًا في القطاع الزراعي، لكن ذلك لم يشفع لهن عند قوات الاحتلال؛ فحسب إحصائية سابقة نشرها مركز الميزان، خلال الخمس سنوات السابقة، قتلت فلاحة فلسطينية فيما أُصيبت ثلاثة، عندما حاولنَ الوصول لحقولهن القريبة من السياج الفاصل، وقد تم استهدافهن بشكل مباشر بقذيفة مدفعية.
ويرصد “الميزان” تكبُد 29 مُزارعة فلسطينية من قطاع غزة خسائر وأضرار في أراضيهن الزراعية والتي تُقدر مساحتها ب 109650 متراً مربعاً، فيما أكدت المزارعات أنَّهُنَّ سيبقين رمزًا فلسطينيًا للصمود في وجه غطرسة المحتل.
رش المبيدات الكيميائية
بحجة الدواعي الأمنية ما زال الاحتلال يُمعن في قتل البيئة، إذ ترش سلطات الاحتلال المبيدات الكيميائية السامة باتجاه حقول المزارعين الفلسطينيين، مما يشكل خطورة تسمم المزارعين وأرضيهم الزراعية والحيوانات البرية المتواجدة هناك.
في حين تتزايد المخاوف بتسرب هذه المواد لخزان المياه الجوفية، ما قد يسبب كارثة بيئية ستصيب جميع الكائنات الحية المستفيدة من المياه الجوفية في تلك المناطق.
وتتذرع سلطات الاحتلال بــــ “الدوافع الأمنية”، مدعيةً أنها تهدف لإزالة الأعشاب التي تنمو بمحاذاة السياج الفاصل، وذلك لتسهيل مراقبة أي حركة قرب الحدود.
ويبقى السؤال المطروح، لو صدق الاحتلال في روايته، لماذا تتكرر عمليات الرش مرتين سنويًا، وتحديدًا حينما يكون اتجاه الرياح باتجاه الغرب، أيّ باتجاه قطاع غزة، فعمليات الرش تحدث بانتظام: المرة الأولى ما بين شهري ديسمبر ويناير، والمرة الثانية في شهر إبريل، وهما أوقات حصاد النباتات في الصيف والشتاء. وهذه المعطيات تؤكد أن الاحتلال يتعمد الإضرار بالمحاصيل الزراعية الفلسطينية؛ دون المّس بمحاصيل المستوطنين على الجانب الآخر.
كورونا ألهت العالم عن متابعة جرائم الاحتلال
في ظِل انشغال العالم بفيروس كورونا المستجد، ما زال الاحتلال ينتهك كافة المواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حق الفلاحين والمزارعين وضمان حمايتهم أثناء ممارسة العمل الزراعي، فقد كثَّفت سلطات الاحتلال من انتهاكاتها بحق المزارعين خلال سنة 2020، كما فاقمت أزمة انقطاع التيار الكهربائي من قدرة المزارعين على تشغيل آبار المياه، وبالتالي صعوبة ري المزروعات.
كما أن رفض الاحتلال السماح للمزارعين بتصدير منتوجاتهم الزراعية زاد من حجم معاناتهم.
لقد تزامنت جرائم الاحتلال وتضييقه على المزارعين مع أزمة جائحة كورونا وتداعياتها على السوق المحلي، ما أدى إلى ضُعف القدرة المالية للمزارعين، وتراجع مستوى الدخل لديهم، كما ارتفعت معدلات البطالة بين أوساطهم، ليبقى المزارع مع هذه الظروف والصمت الدولي على جرائم الاحتلال، عاجزًا ينتظر إنصافه.