انفراج أزمة اعتصام أنصار الصدر أمام مجلس القضاء الأعلى في العراق
انسحب أنصار الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر من أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد بعد ساعات من اعتصام بدأوه يوم الثلاثاء، وذلك في انفراجة لأزمة جديدة كانت قد دفعت إلى تعليق عمل المحاكم في البلاد قبل الإعلان عن استئنافه بشكل طبيعي اعتبارا من صباح الأربعاء.
وبنصيحة من الصدر انسحب المعتصمون من أنصاره من أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى بالمنطقة الخضراء، ورفعوا الخيام وتوجهوا إلى محيط البرلمان العراقي للاستمرار في اعتصامهم المستمر منذ 30 يوليو الماضي.
وقدم صالح محمد العراقي المعروف بوزير القائد المقرب من الصدر نصيحة نيابة عنه للمعتصمين بالانسحاب من أمام مجلس القضاء مع الإبقاء على الخيم، قائلا في بيان “للحفاظ على سمعة الثوار ولعدم تضرر الشعب أنصح بالانسحاب وإبقاء الخيم”.
ودعا البيان للاستمرار بالاعتصام أمام البرلمان، قائلا “ليستمر اعتصامكم أمام البرلمان إن شئتم ذلك، فالقرار قرار الشعب ومني النصيحة”.
وإثر انسحاب المعنصمين، قرر مجلس القضاء الأعلى استئناف العمل بالمحاكم.
وقال المجلس في بيان إنه “بالنظر لانسحاب المتظاهرين وفك الحصار عن مبنى مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا تقرر استئناف العمل بشكل طبيعي بكافة المحاكم اعتبارا من صباح يوم الغد”.
وأكد على المضي باتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يخالف القانون ويعطل المؤسسات العامة.
ونظم المئات من أنصار الصدر في وقت سابق اليوم اعتصاما أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في الجهة الغربية من المنطقة الخضراء وسط بغداد للمطالبة بحل البرلمان، وهو ما دفع المجلس إلى تعليق العمل في جميع مؤسساته.
وقال مجلس القضاء الأعلى في بيان سابق إنه عقد اجتماعا حضوريا وإلكترونيا صباح اليوم مع المحكمة الاتحادية العليا إثر اعتصام مفتوح لمتظاهري التيار الصدري أمام المجلس للمطالبة بحل البرلمان العراقي عبر “الضغط على المحكمة الاتحادية لإصدار القرار بالأمر الولائي وإرسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة”.
وأضاف أنه “قرر تعليق عمل مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا، احتجاجا على هذه التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون”.
وحمل مجلس القضاء الأعلى، الحكومة والجهة السياسية التي تقف خلف هذا الاعتصام، في إشارة للتيار الصدري، المسؤولية القانونية إزاء النتائج المترتبة على هذا التصرف.
وفي خطوة لاحقة، أصدر القضاء العراقي ثلاث مذكرات اعتقال بحق ثلاثة من قيادات التيار الصدري عن جرائم تهديد القضاء، والتحريض على قتل القضاة، وفق بيان لمجلس القضاء الأعلى.
وفي رد على هذه الخطوة، قال وزير القائد المقرب من الصدر “إن الصدر منذ يومين قرر عدم التدخل مطلقا”، مضيفا “أنه ولاستمرار (ثورة – عاشوراء) على عفويتها فإن سماحته قد يأمر مستقبلا بتعليق عمل اللجنة المشرفة على الاحتجاجات مقابل تعليق القضاء والمحاكم عملها”.
واعتبر العراقي في بيان أنه “من المعيب أن يعلق القضاء والمحاكم العمل من أجل إنهاء ثورة إصلاحية ولا تعلق أعمالها من أجل استنكار فساد مستشر”.
وقوبل هذا التطور بانتقادات لتعطيل عمل المؤسسات القضائية ومطالبات بالاحتكام للدستور، كما دفع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إلى قطع زيارة لمصر والعودة إلى البلاد لمتابعة تطورات الأزمة.
وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي أن الكاظمي “قطع زيارته إلى جمهورية مصر العربية وعاد إلى بغداد إثر تطورات الأحداث الجارية في البلد، ولأجل المتابعة المباشرة لأداء واجبات القوات الأمنية في حماية مؤسسات القضاء والدولة”.
وحذر الكاظمي من أن “تعطيل عمل المؤسسة القضائية يعرض البلد لمخاطر حقيقية”، مؤكدا أن “حق التظاهر مكفول وفق الدستور، مع ضرورة احترام مؤسسات الدولة للاستمرار بأعمالها في خدمة الشعب”.
وطالب الكاظمي جميع القوى السياسية بـ”التهدئة واستثمار فرصة الحوار الوطني للخروج بالبلد من أزمته الحالية”، داعيا لاجتماع “فوري” لقيادات القوى السياسية لتفعيل إجراءات الحوار الوطني ونزع فتيل الأزمة.
بدوره، قال الرئيس العراقي برهم صالح، في بيان “إن التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستوريا، ولكن تعطيل عمل المؤسسة القضائية أمر خطير يهدد البلد وينبغي العمل على حماية المؤسسة القضائية وهيبتها واستقلالها، وأن يكون التعامل مع المطالب وفق الأطر القانونية والدستورية” وحذر صالح من أن العراق يمر بظرف دقيق يستوجب توحيد الصف والحفاظ على المسار الديمقراطي السلمي، والعمل على تجنب أي تصعيد من جهته، دعا رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي إلى الاحتكام إلى الدستور للخروج من الأزمة السياسية الخانقة التي يمر بها العراق وقال الحلبوسي في بيان “يجب أن نحتكم جميعا إلى الدستور وأن نكون على قدر المسؤولية لنخرج البلد من هذه الأزمة الخانقة الذي تتجه نحو غياب الشرعية وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية وهيكلية الدولة ومخرجاتها”.
وأعرب الحلبوسي عن أسفه لما وصل إليه الوضع قائلا “للأسف ما وصلنا إليه اليوم هو تراجع أكثر مما كنا عليه سابقا من خلال تعطيل المؤسسات الدستورية، مجلس النواب معطل، مجلس قضاء معطل، حكومة تسيير أعمال”.
بدورها، أكدت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) حق الاحتجاج دون تعطيل عمل مؤسسات الدولة.
وقالت البعثة في بيان إن “الحق في الاحتجاج السلمي عنصر أساسي من عناصر الديمقراطية ولا يقل أهمية عن ذلك التأكيد على الامتثال الدستوري واحترام مؤسسات الدولة”.
وأضافت “يجب على مؤسسات الدولة أن تعمل دون عائق في خدمة الشعب العراقي بما في ذلك مجلس القضاء”.
بدوره، أعلن الإطار التنسيقي، الذي يضم غالبية الأحزاب الشيعية، وخصم التيار الصدري، إدانته لما وصفه بـ”التجاوز الخطير” على المؤسسة القضائية وتهديدات التصفية الجسدية بحق رئيس المحكمة الدستورية.
وأكد الإطار التنسيقي في بيان رفضه استقبال أي رسالة من التيار الصدري أو أية دعوة للحوار المباشر، إلا بعد أن يعلن عن تراجعه عن احتلال مؤسسات الدولة الدستورية والعودة إلى صف القوى التي تؤمن بالحلول السلمية الديمقراطية، على حد تعبيره.
ودعا الإطار المجتمع الدولي إلى بيان موقفه الواضح أمام هذا التعدي الخطير على المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها السلطة القضائية والمؤسسة التشريعية، وفقا للبيان.
ويأتي هذا التطور فيما ينظم أنصار الصدر منذ 30 يوليو الماضي اعتصاما مفتوحا بمحيط البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء للمطالبة بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة والإصلاح السياسي ومحاكمة الفاسدين وإسقاط محمد شياع السوداني مرشح الإطار التنسيقي الشيعي للحكومة المقبلة وتشكيل حكومة أغلبية وطنية.
في المقابل، ينظم أنصار الإطار التنسيقي الشيعي اعتصاما عند البوابة الجنوبية للمنطقة الخضراء منذ 12 أغسطس الجاري.
ومنذ إجراء الانتخابات التشريعية في العاشر من أكتوبر الماضي، يمر العراق بأزمة سياسية تتجسد في تعليق جلسات مجلس النواب بعد اقتحام الآلاف من أتباع الصدر مقره بالمنطقة الخضراء شديدة التحصين، وعدم انتخاب رئيس w جديد للبلاد، ودعوات مضادة للتيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي إلى التظاهر، والخلاف على شكل الحكومة المقبلة.