الجزائر تعلّق الرد على الاتصالات الدبلوماسية مع باريس
الجزائر تعلّق الرد على الاتصالات الدبلوماسية مع باريس
وكالة انباء كل العربAPA
قررت السلطات الجزائرية تعليق كامل اللقاءات والاجتماعات التي كانت مقررة مع الجانب الفرنسي، وتجميد الاتصالات الدبلوماسية مع باريس. وكشفت مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” أنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمر وزارة الخارجية بتجميد كافة الاتصالات الدبلوماسية مع الجانب الفرنسي. وذكرت أنه تم توجيه تعليمات إلى دائرة فرنسا في وزارة الخارجية الجزائرية، التي استُحدثت منذ فترة قصيرة ضمن الهيكلة الجديدة لوزارة الخارجية، بعدم الرد على أية اتصالات أو مراسلات تفد من السفارة الفرنسية في الجزائر، أو من الخارجية الفرنسية من باريس، ومن كلّ الهيئات الفرنسية حتى إشعار آخر، على خلفية الأزمة التي أثارتها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحق الجزائر. وتمّ توجيه تعليمات من الرئاسة في نفس السياق، تقضي بتجميد جميع الأنشطة والاجتماعات واللقاءات الدورية التي كانت مبرمجة مع الطرف الفرنسي، سواء في الجزائر أو في باريس، وفي جميع قطاعات التعاون السياسي والدبلوماسي والاقتصادي بين البلدين. ويشمل الأمر التعاون في مجالات الثقافة والتربية والتعليم العالي، وتعليق تنقّل وفود رسمية بين البلدين، عدا ما يتعلق بالأنشطة الدولية التي تعقد في فرنسا (على غرار سفر وزير التربية عبد الحكيم بلعابد للمشاركة في مؤتمر يونسكو المنعقد منذ 9 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي وينتهي في 24 منه)، خصوصاً أن السلطات الجزائرية التي ألغت في شهر إبريل/نيسان الماضي زيارة كان مقرراً أن يقوم بها رئيس الحكومة الفرنسي جان كاستيكس إلى الجزائر، قررت الإبقاء على سفيرها في فرنسا عنتر داود في حالة استدعاء حتى إشعار آخر. ولم يعد داود إلى باريس منذ 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
حاول ماكرون التواصل مع تبون يوم الإثنين الماضي لكنه لم يتمكن من ذلك
وكانت صحيفة “لوبينيون” الفرنسية قد نقلت، يوم الأربعاء الماضي، عن مصدر رسمي تأكيده أن ماكرون حاول الاتصال بتبون، يوم الإثنين الماضي، بهدف دعوته لحضور مؤتمر باريس حول الأزمة الليبية، الذي عُقد أول من أمس الجمعة، إلا أنه لم يتمكن من الحديث مع الرئيس الجزائري، وهي سابقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. وأوضحت الصحيفة أن الرئيس الفرنسي لجأ إلى القنوات الدبلوماسية كي يوجّه الدعوة الرسمية لحضور المؤتمر. وتُفسر هذه المعلومات سبب تفادي وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إجراء أي لقاء مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أو مع ماكرون، على هامش مؤتمر باريس.
وعلى الرغم من حالة القطيعة الدبلوماسية الراهنة بين الجزائر وفرنسا، إلا أن سفر لعمامرة للمشاركة في مؤتمر باريس، شكّل استثناءً لارتباط تنظيم المؤتمر على يد أكثر من طرف دولي، وهو ما كان واضحاً في البيان الختامي للمؤتمر إذ تضمن المقطع الأول منه إشارة إلى أن الدعوة يقف وراءها كل من “من رئيس الجمهورية الفرنسية، ومستشارة جمهورية ألمانيا الاتحادية، ورئيس مجلس الوزراء الإيطالي، ورئيس المجلس الرئاسي الانتقالي الليبي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية في ليبيا، والأمين العام للأمم المتحدة.
وشرح لعمامرة قبل سفره دواعي المشاركة الجزائرية في المؤتمر، مشدّداً على اهتمام بلاده بمصلحة ليبيا، فيما أكد مصدر دبلوماسي جزائري في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن “سبب سفر لعمامرة مرتبط بإلحاح الليبيين، مع إيفاد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي نائبه موسى الكوني إلى الجزائر قبل المؤتمر بثلاثة أيام، للقاء تبون، وإبلاغه حرص الليبيين على حضور الجزائر إلى المؤتمر، دعما لتطبيق الحل السياسي وإنجاز المسار الانتخابي في ليبيا. وهو ما دفع الرئيس للقبول بالمشاركة”.
وبخلاف سابقيه من السفراء الفرنسيين في الجزائر، فإن السفير الفرنسي فرانسوا غوييت، الذي عمل سابقاً في تونس ويتقن اللغة العربية، وجد نفسه في حالة عزلة في الجزائر، إذ تصعب ظروف الأزمة ومستوى الغضب الجزائري من امكانية تواصله مع المؤسسة الرسمية في الجزائر، وكذلك مع المحيط السياسي والمدني، مع رفض كل الأحزاب والشخصيات السياسية لقاءه في الوقت الحالي. وهو ما يفسر غياب السلطات الرسمية عن مرافقته خلال افتتاحه لقسم تعليم اللغة الفرنسية الذي يتبع المركز الثقافي الفرنسي، في مدينة عنابة، شرقي الجزائر قبل فترة قصيرة.
ترغب الجزائر في الضغط على ماكرون لتحقيق مطالبها
ومن شأن تنفيذ السلطات الفرنسية قرارها بخفض عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين إلى النصف، الإبقاء على منحى تصاعدي للأزمة السياسية بين الجزائر وفرنسا. وهي أزمة بدأت أولاً بفعل هذا القرار، فاستدعت الجزائر حينها السفير الفرنسي، قبل أن تتطور بشكل أكثر حدة في أعقاب التصريحات المثيرة للجدل لماكرون بحق تاريخ الأمة الجزائرية وطبيعة النظام السياسي في الجزائر. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، قد أعلن يوم الخميس الماضي، قبول 12 ألف تأشيرة للرعايا الجزائريين ورفض أكثر من 11 ألف تأشيرة أخرى خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر الماضيين، احتجاجاً على عدم تعاون الجزائر في ملف استقبال الرعايا الجزائريين المطلوب ترحيلهم من فرنسا.
ومن الواضح أنّ السلطات الجزائرية لم تقتنع حتى الآن بالتصريح الذي نقله الإليزيه عن ماكرون بشأن سوء فهم تصريحاته بشأن الجزائر واحترامه لسيادتها. ووفقاً للرؤية الجزائرية فإن هذا الموقف لا يضع المشكلة في تصريحات ماكرون، بل اعتبر أنّ هناك سوء فهم من قبل الطرف الجزائري. وتذهب بعض القراءات السياسية حول تشدّد الموقف الجزائري إزاء العلاقة مع فرنسا، إلى سعي السلطة الجزائرية لاستغلال عامل الوقت مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا، المقررة في إبريل/نيسان المقبل، لزيادة الضغط على ماكرون، لدفع أثمان أكبر من ّأجل حل الأزمة. وتقصد هذه القراءات، تسليم ناشطين مطلوبين للقضاء الجزائري والحدّ من نشاط حركتي “الماك” (حركة تقرير المصير في منطقة القبائل) و”رشاد” (حركة معارضة للنظام) اللتين تصنفهما الجزائر “إرهابيتين”، على الأراضي الفرنسية، واستعادة الجزائر لما تبقى من جثامين المقاومين الجزائريين الموجودة في باريس، فضلاً عن استعادة الأرشيف الجزائري المنهوب، وتسليم باريس خرائط التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، إلى الجزائر