بلدية القدس في العهد العثماني
بلدية القدس في العهد العثماني
د. نائلة الوعري
انشأت بلدية القدس سنة 1280هـ -1863م. كنتيجة للتنظيمات التي اصدرتها الدولة العثمانية بضغوط الدول الاوروبية خاصة بريطانيا وفرنسا، وكان غاية هاتين الدولتين هو تعزيز وجودهما في اراضي الدولة العثمانية، وخاصة العالم العربي والقدس، منه في بؤرة الاهتمام الذي كان يصطدم دائما وأبدا بالمؤسسة الدينية الاسلامية المسؤولة عن ملكية الأراضي، ممثلة بمجلس الاوقاف الإسلامي، وعن ادارة المدينة ممثلة بالقاضي والمحتسب.
وعلى الرغم من انهم استطاعوا ان يستصدروا قوانين تبيح ملكية الاراضي لغير رعايا الدولة العثمانية، إلا انهم عجزوا عن ملكية اراضي واملاك الوقف الاسلامي التي تشكل الجزء الاكبر من مساحة المركز التقليدي ونسيجه المعماري “وهذا بدوره كان عاملا مهما في الحفاظ على تماسك نسيجه المعماري وشخصيته البصرية وهويته العربية الاسلامية وكذلك عمل على نمو المدينة خارج السور”.
ان نشأت البلدية سنة 1280هـ -1863م. تزامن مع الهجمة المسيحية الاوروبية الاستعمارية واليهودية الاستيطانية وتوسعها خارج السور، وكانت ادارة البلدية تتكون من رئيس البلدية ونائب الرئيس وستة اعضاء مع اعطاء الصلاحية لطبيب البلدية ومهندسها بإبداء الرأي في المسائل التي تعلق باختصاصيهما، وينتخب المجلس من المخاتير والشيوخ، وبأغلبية عدد الاصوات مع تصديق الوالي او المتصرف على صحة الانتخابات، اما تعيين رئيس البلدية فهو من اختصاص الوالي او المتصرف.
في بادئ الامر كان المتصرف يتولى على مجلسها ويصرف الامور كما يشاء، الا ان دورها تفعل بعض الشيء بعد القوانين التي صدرت في الفترة من 1304-1308هـ/1886-1890م. حيث نصت على انشاء بلديات في جميع المدن الكبيرة والصغيرة كما نصت على ان يتراوح اعضاء المجلس بين 6-12 عضو حسب حجم المدينة وينتخبون من المواطنين العثمانيين الذكور البالغ اعمارهم 25 سنة وفوق على ان يكونوا ملاكا وممن يدفعون الضرائب. اما واجبات البلدية فهي الاشراف على انشطة البناء.
وكانت القدس تدار من قبل الاتراك في عام 1808 للميلاد وكانت القدس ايضا تابعة للشام، وفي عام 1821 نرى البلاد مقسمة الى ولايات على رأس كل ولاية والى والولاية مقسمة الى ألوية وسناجق وعلى رأس كل سنجق متصرف والقدس كانت لواءا مستقلا، على رأسه متصرف من الدرجة الاولى، وكل لواء ينقسم الى عدة اقضية وعلى راس كل قضاء قائمقام والقضاء ينقسم الى نواحي عديدة، وعلى رأس كل ناحية مدير والناحية مؤلفة من عدة قرى.
وعندما رأى الباب العالي “الصدر الاعظم او رئيس الوزراء” تقدم الجيش الروسي عام 1831 وخشي ان يزحف هذا نحو سوريا، قرر توحيد منطقتي القدس والشام ووضع عليهما عبدالله باشا والي عكا، فصار ولاة الامور بالقدس يخابرون عكا، وهذه تعمل بوحي الشام. كان الحكم يومئذ بيد امراء الاقطاع كان على كرسي السلطنة السلطان محمود الثاني. وكانت القدس تابعة لصيدا وهذا مفهوم من الوثائق التي عثر عليها الاستاذ اسد رستم بين سجلات المحكمة الشرعية منها وثيقة تاريخها 11 رمضان سنة 1256-1840 م. ارسلت الى نائب القدس منلا افندي والى وكيل المفتي. وبعد سنة 1860 اقام الباب العالي واليا في دمشق وصارت القدس متصرفية تابعة لولاية سوريا التي مركزها الشام.
وفي سنة 1871 جعلت القدس متصرفية مستقلة تخابر الباب العالي رأسا وكان يتبع سنجق القدس في اواخر العهد التركي اربعة اقضية هي يافا وغزة وبير السبع وخليل الرحمن.
فسنجق القدس (السنجق=متصرفية) اصبح له اعتبارات خاصة منذ سنة 1850 اثر حرب القرم ثم صدر قرار سلطاني سنة 1887 بأن يتبع سنجق القدس الباب العالي وزارة الداخلية مباشرة بمركزية وتشكيلات خاصة وتتابع على القدس عدة متصرفين حتى عام 1914 بداية الحرب العالمية الاولى وبدء انهزام الدولة العثمانية بعد الحرب وانسحابها بعد خسارتها في معارك مع الجيش البريطاني وتسليم مدينة القدس للانجليز في 30 ديسمبر 1917 ووضعت القدس ومرافقها وبلديتها تحت الاستعمار العسكري الانجليزي منذ ذلك الوقت.